تقارير

من فضائح التلاعب إلى قيادة الجيش الملكي.. قصة ميشينيفيتش ومافيا كرة القدم

مدرب الفريق المغربي تورط في أكبر فضيحة تلاعب هزت كرة القدم البولندية

في يوليو الماضي، تم تعيين المدرب البولندي تشيسلاف ميشينيفيتش مديرًا فنيًا لفريق الجيش الملكي المغربي، في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات والاهتمام في الأوساط الرياضية. يعد ميشينيفيتش شخصية مثيرة للجدل بسبب مزيج من الإنجازات التدريبية الكبيرة والاتهامات الخطيرة التي طالته خلال مسيرته بسبب علاقته الوطيدة برئيس مافيا كرة القدم في بولندا ريشارد فوربريتش
وعلى الرغم من النجاحات التي حققها ميشينيفيتش في مسيرته التدريبية، بما في ذلك قيادة المنتخب البولندي في كأس العالم 2022، إلا أن الاتهامات التي وجهت إليه في وقت سابق بخصوص فضائح التلاعب بنتائج المباريات ألقت بظلالها على سمعته. وجاء تعيينه مدربًا لفريق الجيش الملكي في وقت يسعى فيه النادي للعودة بقوة على الساحة المحلية والقارية، ولكن الجدل حول ماضي مدربه يظل حاضرًا.

تحدٍ جديد في المغرب
جاء تعيين المدرب البولندي تشيسلاف ميشنيفيتش لقيادة الجيش الملكي في الموسم الجديد خلفا لمدربه السابق نصرالدين النابي بعد إخفاق الفريق في الاحتفاظ بلقب الدوري والتتويج بكأس العرش، ما دفع إدارة النادي للبحث عن مدرب يمتلك رؤية تكتيكية وخبرة قارية. ويتمتع ميشنيفيتش بهذه المؤهلات جعله خيارًا مناسبًا، في وقت يواجه فيه النادي الملكي تحديات كبرى على الساحة المحلية القارية.

من الحراسة للتدريب
بدأ ميشنيفيتش، صاحب الـ53 عامًا، مسيرته الكروية كحارس مرمى في عدة أندية بولندية. وعلى الرغم من أنه لم يحقق الشهرة الكبيرة كلاعب، إلا أن شغفه بكرة القدم دفعه نحو عالم التدريب في سن مبكرة بعد اعتزاله اللعب في عام 2000. كانت بداية رحلته التدريبية مع الفريق الثاني لنادي **أميكا ورونكي**، حيث كان مدربًا ولاعبًا في الوقت نفسه، قبل أن يتولى تدريب الفريق الأول في 2001.
نجاحاته الأولى جاءت في بولندا، حيث أثبت ميشنيفيتش قدرته على قيادة الفرق نحو تحقيق نتائج إيجابية، واشتهر بأسلوبه الصارم وتنظيمه الدفاعي المتميز، وهو ما أكسبه احترام اللاعبين والمسؤولين في الأندية التي عمل بها.

مسيرته التدريبية
من بين محطاته البارزة، قيادة منتخب بولندا تحت 21 عامًا في البطولات الأوروبية، إلى جانب تدريبه لعدد من الأندية البولندية الكبرى مثل ليخ بوزنان وليغيا وارسو، حيث قادها لتحقيق بطولات محلية، منها كأس السوبر البولندي وكأس بولندا والدوري المحلي.
كما تولى تدريب المنتخب البولندي الأول وقاده إلى التأهل لبطولة كأس العالم 2022 قبل إقالته من منصبه كمدرب للمنتخب البولندي، بعد الخروج من دور الـ16، إثر الخسارة «1-3» على يد فرنسا وصيفة البطل.
وتحت قيادة ميشنيفيتش، فازت بولندا بـ 5 مباريات، وخسرت 5 وتعادلت في 3، وبعدها ظل عاطلًا عن العمل منذ إقالته من تدريب منتخب بلاده في 31 ديسمبر 2022.
حتى تم تعيينه في يونيو ٢٠٢٣ مدربا لنادي أبها السعودي في تجربة غير موفقة، إذ تمت إقالته  بعدما تكبد هزيمته السادسة في الموسم، في دوري روشن السعودي، بعد مرور  8 جولات، حيث حقق انتصاريين فقط، ما جعل الفريق السعودي يقرر إقالته من منصبه.

ميشينيفيتش ومافيا كرة القدم
أثارت قضية تشيسلاف ميشينيفيتش، مدرب منتخب بولندا السابق ، جدلاً واسعاً في الساحة الرياضية البولندية والدولية. تأتي هذه القضية نتيجة لاتهامات غير رسمية تربطه بمافيا كرة القدم، وبالأخص بريسارد فوربريتش، الذي كان معروفًا بلقب “الحلاق “، وهو العقل المدبر لعدد من التلاعبات بنتائج المباريات خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
هذه الاتهامات جاءت رغم أن ميشينيفيتش لم يُتهم رسميًا بأي تورط مباشر في الفساد، وظل بريئاً من الناحية القانونية. ومع ذلك، فقد كانت لاتصالاته الهاتفية اليومية بفوربريتش تثير تساؤلات حول علاقته بمافيا كرة القدم في تلك الفترة.

اتصالات مثيرة للجدل
في الفترة بين 2003 و2005، كان ميشينيفيتش يدرب فريق ليخ بوزنان، وهو الفريق الذي وُجهت إليه اتهامات بتورطه في شراء وبيع نتائج المباريات. في نفس الوقت، كان فوربريتش يعمل بنشاط على التلاعب بنتائج المباريات في بولندا.
الوثائق التي تم الكشف عنها، والتي تجاوزت 60 ألف صفحة من سجلات المحكمة، تتضمن تفاصيل عن اتصالات هاتفية بين ميشينيفيتش وفوربريتش.
حسب التقارير، فإنهما تحدثا عبر الهاتف 591 مرة بين 1 يوليو 2003 و12 يوليو 2005، وهو ما يثير الشكوك حول مدى عمق العلاقة بين الطرفين.
ما جعل هذه القضية أكثر إثارة هو أن الاتصال بين ميشينيفيتش وفوربريتش كان في أغلب الأحيان يحدث قبل وبعد المباريات التي يشك مكتب المدعي العام بأنها تم التلاعب بها. ووفقاً للسجلات الهاتفية، تحدث ميشينيفيتش إلى فوربريتش لفترات طويلة تصل إلى أكثر من 27 ساعة في المجموع، في حين لم ينأَ المدرب بنفسه عن التعامل مع المشتبه به على الرغم من علمه بما كان يدور في المجتمع الرياضي حول فوربريتش.

تحليل الأدلة المتاحة
استناداً إلى تحليل الفواتير المقدمة من مشغلي الهاتف المحمول، يظهر أن المكالمات بين ميشينيفيتش وفوربريتش كانت تتراوح بين مكالمات قصيرة وأخرى طويلة. كما أن ميشينيفيتش أجرى مكالمات مع مراقب الحكم ماريان دوسا، وهو أحد المقربين من فوربريتش. وهذا ما يثير التساؤلات حول ما إذا كان ميشينيفيتش على علم بالتلاعب  بالمباريات التي كان فوربريتش يقودها، أو إذا كانت تلك الاتصالات تأتي في سياق آخر بعيد عن الفساد.
من ناحية أخرى، يجادل البعض بأن مجرد وجود اتصالات هاتفية متكررة لا يعني بالضرورة تورط ميشينيفيتش في التلاعب بنتائج المباريات. حتى الآن، لم يتم تقديم أدلة ملموسة تثبت تورطه المباشر، ولم يوجه مكتب المدعي العام اتهامات ضده. كما أدلى ميشينيفيتش بشهادته طواعية لدى مكتب المدعي العام، مما يعزز موقفه القانوني في القضية.

ردود ميشينيفيتش ودفاعاته
على الرغم من الأدلة الظاهرية، ينكر ميشينيفيتش تماماً أي تورط في التلاعب بنتائج المباريات. عندما سئل عن الأمر خلال مؤتمر صحفي، أعرب عن استيائه من الاتهامات وأكد أن تعاونه مع فوربريتش كان محدودًا بالمجال الرياضي فقط، ولم يكن له علاقة بالتلاعب بنتائج المباريات. كما هدد باللجوء إلى المدعي العام لمقاضاة من يشكك في براءته.
ميشينيفيتش أكد في أكثر من مناسبة أنه بريء من جميع التهم، وكرر أنه لم يكن على علم بالتلاعبات التي كان يقودها فوربريتش. حتى اليوم، لم يتم إثبات تورطه في أي فساد من قبل السلطات المختصة، وهو ما يجعله بريئًا قانونيًا.
العديد من وسائل الإعلام، البولندية أطلقت تحقيقات مستفيضة حول هذه العلاقة، وهو ما أعاد القضية إلى الأضواء. ومع أن ميشينيفيتش لم يتم اتهامه رسمياً، إلا أن الشكوك حوله قد أثرت سلباً على صورته في الأوساط العامة.

برئ ولكن
قضية تشيسلاف ميشينيفيتش وعلاقته بمافيا كرة القدم تبقى مثيرة للجدل، وذلك بسبب تداخل العوامل القانونية والأخلاقية. فعلي الرغم على عدم توجيه أي تهم مباشرة ضد ميشينيفيتش،
يبقى السؤال مفتوحاً: هل كان ميشينيفيتش بالفعل على علم بما يحدث من تلاعبات أم أن اتصالاته بفوربريتش زعيم مافيا كرة القدم في بولندا كانت في إطار مهني بريء؟ الإجابة قد تظل غامضة، وتبقى الشكوك حول دوره في تلك الفترة مستمرة، وهو ما قد يؤثر على سمعته المهنية في المستقبل.

كتب :مرتضى حلنقي

نادينا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى